فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السبكي:

قَوْله تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ فَقِيلَ إنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ.
وَقِيلَ لِأَنَّ {ابْنُ} صِفَةٌ لَا خَبَرُ.
وَأَرَادَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صِفَةً لَكَانَ الْخَبَرُ مُقَدَّرًا، تَقْدِيرُهُ مَعْبُودُهُمْ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُنْكَرُ ذَلِكَ لَا وَصْفُهُمْ إيَّاهُ بِالنُّبُوَّةِ.
وَأَقُولُ: بَلْ الْمُنْكَرُ وَصْفُهُمْ وَالتَّقْدِيرُ فِي كَلَامِهِمْ الْمَحْكِيِّ بَعْضُهُ لَا فِي الْحِكَايَةِ، لِأَنَّ الْمُخْبِرَ إذَا وَصَفَ الْمَخْبَرَ عَنْهُ بِصِفَةٍ لَيْسَتْ لَهُ وَأَرَادَ السَّامِعُ إنْكَارَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْحُكْمِ فَطَرِيقُهُ إنْكَارُ الْوَصْفِ فَقَطْ، فَكَذَلِكَ هُنَا كَأَنَّك قُلْت: هَذِهِ اللَّفْظَةُ الْمُنْكَرَةُ وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِمَا قَالُوهُ خَبَرًا عَنْهَا انْتَهَى. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} إلى قوله سبحانه: {عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
هذه الآية فيها التنصيص الصريح على أن كفار أهل الكتاب مشركون بدليل قوله فيهم: سبحانه عما يشركون بعد أن بين وجوه شركهم بجعلهم الأولاد لله واتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا من دون الله ونظير هذه الآية قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} لإجماع العلماء أن كفار أهل الكتاب داخلون فيها.
وقد جاءت آيات أخرى تدل بظاهرها على أن أهل الكتاب ليسوا من المشركين كقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ}. الآية.
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ}. الآية.
وقوله: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ}. الآية.
والعطف يقتضي المغايرة.
والذي يظهر لمقيده عفا الله عنه: أن وجه الجمع أن الشرك الأكبر المقتضي للخروج من الملة أنواع.
وأهل الكتاب متصفون ببعضها وغير متصفين ببعض آخر منها.
أما البعض الذي هم غير متصفين به فهو ما اتصف به كفار مكة من عبادة الأوثان صريحا ولذا عطفهم عليهم لاتصاف كفار مكة بما لم يتصف به أهل الكتاب من عبادة الأوثان وهذه المغايرة هي التي سوغت العطف فلا ينافي أن يكون أهل الكتاب مشركون بنوع آخر من أنواع الشرك الأكبر وهو طاعة الشيطان والأحبار والرهبان فإن مطيع الشيطان إذا كان يعتقد أن ذلك صواب عابد الشيطان مشرك بعبادة الشيطان الشرك الأكبر المخلد في النار كما بينته النصوص القرآنية كقوله: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا} فقوله: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا}.
صح معناه وما يعبدون إلا شيطانا لأن عبادتهم للشيطان طاعتهم له فيما حرمه الله عليهم وقوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} الآية.
وقوله تعالى عن خليله إبراهيم: {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا}.
وقوله تعالى: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنّ}. الآية.
وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}. الآية.
فكل هذا الكفر بشرك الطاعة في معصية الله تعالى، ولما أوحى الشيطان إلى كفار مكة أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الشاة تصبح ميتة من قتلها؟ وأنه إذا قال صلى الله عليه وسلم الله قتلها أن يقولوا: ما قتلتموه بأيديكم حلال وما قتله الله حرام فأنتم إذا أحسن من الله.
أنزل الله في ذلك قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}.
فأقسم تعالى في هذه الآية على أن من أطاع الشيطان في معصية الله أنه مشرك بالله ولما سأل عدي بن حاتم النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا}، كيف اتخذوهم أربابا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألم يحلوا لهم ما حرم الله ويحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم».
قال: بلى.
قال: «بذلك اتخذوهم أربابا».
فبان أن أهل الكتاب مشركون من هذا الوجه الشرك الأكبر وإن كانوا خالفوا كفار مكة في صريح عبادة الأوثان والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)}
أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفى، وأبو أنس، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف، فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرًا ابن الله؟ وإنما قالوا: هو ابن الله من أجل أن عزيرًا كان في أهل الكتاب، وكانت التوراة عندهم يعلمون بها ما شاء الله تعالى أن يعلموا، ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق، وكان التابوت فيهم فلما رأى الله تعالى أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء رفع الله عنهم التابوت، وأنساهم التوراة، ونسخها من صدورهم، وأرسل عليهم مرضًا فاستطلقت بطونهم منهم حتى جعل الرجل يمشي كبده حتى نسوا التوراة ونسخت من صدورهم، وفيهم عزير كان من علمائهم فدعا عزير الله عز وجل وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدره، فبينما هو يصلي مبتهلًا إلى الله تعالى نزل نور من الله فدخل جوفه، فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة، فأذن في قومه فقال: يا قوم قد آتاني الله التوراة ردها إليّ، فعلق يعلمهم فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا وهو يعلمهم، ثم إن التابوت نزل عليهم بعد ذلك وبعد ذهابه منهم، فلما رأوا التابوت عرضوا ما كانوا فيه على الذي كان عزير يعلمهم فوجدوه مثله، فقالوا: والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {وقالت اليهود عزير ابن الله} قال: قالها رجل واحد اسمه فنحاص.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كن نساء بني إسرائيل يجتمعن بالليل فيصلين ويعتزلن ويذكرن ما فضل الله تعالى به على بني إسرائيل وما أعطاهم، ثم سلط عليهم شر خلقه بختنصر فحرق التوراة وخرب بيت المقدس، وعزير يومئذ غلام فقال عزير: أو كان هذا؟! فلحق الجبال والوحش فجعل يتعبد فيها، وجعل لا يخالط الناس، فإذا هو ذات يوم بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال: يا أمة الله اتقي الله واحتسبي واصبري، أما تعلمين أن سبيل الناس إلى الموت؟! فقالت: يا عزير اتنهاني أن أبكي وأنت خلفت بني إسرائيل ولحقت بالجبال والوحش؟ قالت: إني لست بامرأة ولكني الدنيا، وأنه سينبع في مصلاك عين وتنبت شجرة، فاشرب من العين وكل من ثمرة الشجرة، فإنه سيأتيك ملكان فاتركهما يصنعان ما أرادا. فلما كان من الغد نبعت العين ونبتت الشجرة فشرب من ماء العين وأكل من ثمرة الشجرة، وجاء ملكان ومعهما قارورة فيها نور فأوجراه ما فيها، فألهمه الله التوراة فجاء فأملاه على الناس، فقالوا عند ذلك: عزير بن الله، تعإلى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
وأخرج أبو الشيخ عن كعب رضي الله عنه قال: دعا عزير ربه عز وجل أن يلقي التوراة كما أنزل على موسى عليه السلام في قلبه، فأنزلها الله تعالى عليه، فبعد ذلك قالوا: عزير ابن الله.
وأخرج أبو الشيخ عن حميد الخراط رضي الله عنه. أن عزيرًا كان يكتبها بعشرة أقلام في كل أصبع قلم.
وأخرج أبو الشيخ عن الزهري رضي الله عنه قال: كان عزير يقرأ التوراة ظاهرًا، وكان قد أعطي من القوة ما ان كان ينظر في شرف السحاب، فعند ذلك قالت اليهود: عزير ابن الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: إنما قالت اليهود عزير ابن الله لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم وأخذوا التوراة، وهرب علماؤهم الذين بقوا فدفنوا كتب التوراة في الجبال، وكان عزير يتعبد في رءوس الجبال لا ينزل إلا في يوم عيد، فجعل الغلام يبكي يقول: رب تركت بني إسرائيل بغير عالم؟ فلم يزل يبكيهم حتى سقط أشفار عينيه، فنزل مرة إلى العيد فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت له عند قبر من تلك القبور تبكي، تقول: يا مطعماه يا كاسي. اهـ...! فقال لها: ويحك من كان يطعمك أو يكسوك أو يسقيك قبل هذا الرجل؟! قالت: الله. قال: فإن الله حي لم يمت. قالت: يا عزير فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: الله. قالت: فلم تبكي عليهم؟ فلما عرف أنه قد خصم ولى مدبرًا. فدعته فقالت: يا عزير إذا أصبحت غدًا فائت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه، ثم أخرج فصل ركعتين فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذه. فلما أصبح انطلق عزير إلى ذلك النهر فاغتسل فيه ثم خرج فصلى ركعتين، فأتاه شيخ فقال: افتح فمك. ففتح فمه فألقمه فيه شيئًا كهيئة الجمرة العظيمة مجتمع كهيئة القوارير ثلاث مرات، فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة فقال: يا بني إسرائيل إني قد جئتكم بالتوراة. فقالوا له: ما كنت كذابًا؟؟ فعمد فربط على كل أصبع له قلمًا، ثم كتب بأصابعه كلها فكتب التوراة، فلما رجع العلماء أخبروا بشأن عزير، واستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا رفعوها من التوراة في الجبال، وكانت في خواب مدفونة فعرضوها بتوراة عزيز، فوجدوها مثلها فقالوا: ما أعطاك الله إلا وأنت ابنه.
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث أشك فيهن. فلا أدري أعزير كان نبيًا أم لا، ولا أدري أَلعن تبعًا أم لا، قال: ونسيت الثالثة».
وأخرج البخاري في تاريخه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد شجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ رافعًا يديه يقول: «إن الله عز وجل اشتد غضبه على اليهود أن قالوا عزير ابن الله، واشتد غضبه على النصارى إن قالوا المسيح ابن الله، وإن الله اشتد غضبه على من أراق دمي وآذاني في عترتي».
وأخرج ابن النجار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عزير: يا رب ما علامة من صافيته من خلقك؟ فأوحى الله إليه: أن أقنعه باليسير وأدَّخر له في الآخرة الكثير.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {يضاهئون قول الذين كفروا من قبل} قال: قالوا مثل ما قال أهل الأديان.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {يضاهئون قول الذين كفروا من قبل} يقول: ضاهت النصارى قول اليهود قبلهم فقالت النصارى: المسيح ابن الله. كما قالت اليهود: عزير ابن الله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {قاتلهم الله} قال: لعنهم الله، وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {قاتلهم الله} قال: كلمة من كلام العرب. اهـ.